شبكة العنكبوتية لعضلات القلب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» صوم يوم عاشراء
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالإثنين أكتوبر 10, 2016 3:11 am من طرف Admin

» العام الهجري الجديد 1438
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالإثنين أكتوبر 10, 2016 3:03 am من طرف Admin

» نرحب بالتأيد العاصفة الحزم
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالإثنين أكتوبر 10, 2016 2:53 am من طرف Admin

» علاج خفقان القلب بالقران‎
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالسبت أكتوبر 10, 2015 1:32 am من طرف Admin

» مراتب الجهاد‎
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالجمعة أكتوبر 09, 2015 11:17 am من طرف Admin

» القليل من الملح يؤثر ايجابيا على القلب
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالخميس أكتوبر 08, 2015 2:03 am من طرف Admin

» ما فوائد «الغفوات» على القلب والذاكرة ؟
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالخميس أكتوبر 08, 2015 2:00 am من طرف Admin

» فوائد الزنجبيل و احتياطات استعماله و الجرعات المناسبة لكل شخص
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالخميس أكتوبر 08, 2015 1:56 am من طرف Admin

» فوائد الكاجو الذي يتربع على عرش المكسرات
تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Emptyالخميس أكتوبر 08, 2015 1:52 am من طرف Admin

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283)

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Empty تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283)

مُساهمة  Abdullah السبت أغسطس 13, 2011 6:29 pm

الأولى : قوله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله " لما ذكر الذي قصرت همتهم على الدنيا ، في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " والمؤمنين الذي سألوا خير الدارين ذكر المنافقين ، لأنهم أظهروا الإيمان وأسروا الكفر قال السدي وغيره من المفسرين : نزلت في الأخنس بن شريق ، واسمه أبي ، والأخنس لقب لقب به ، لأنه خنس يوم بدر بثلثمائة رجل من حلفائه من بني زهرة عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي في (( آل عمران )) بيانه ، وكان رجلاً حلو القول والمنظر ، فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وقال : الله يعلم أني صادق ، ثم هرب بعد ذلك ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وبحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر ، قال المهدوي : وفيه نزلت " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم " [ ن : 10، 11 ] و " ويل لكل همزة لمزة " [ الهمزة : 1 ] ، قال ابن عطية : ما ثبت قط أن الأخنس أسلم ، وقال ابن عباس : نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع : عاصم بن ثابت ، وخبيب ، وغيرهم ، وقالوا : ريح هؤلاء القوم ، لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فنزلت هذه الآية في صفات المنافقين ، ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " [ البقرة : 207 ] ، وقال قتادة و مجاهد وجماعة من العلماء : نزلت في كل مبطن كفراً أو نفاقاً أو كذباً أو إضراراً ،وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ، فهي عامة ، وهي تشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى : " إن من عابد الله قوماً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، يشترون الدنيا بالدين ، يقول الله تعالى : أبي يغترون ، وعلي يجترئون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم منهم حيوان " ، ومعنى " ويشهد الله " أي يقول : الله يعلم أني أقول حقاً ، وقرأ ابن محيصن (( ويشهد الله على ما في قلبه )) بفت الياء والهاء في (( يشهد )) (( الله )) بالرفع ، والمعنى بعجبك قوله : والله يعلم منه خلاف ما قال : دليله قوله : " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " [ المنافقون : 1 ] ، وقراءة ابن عباس (( والله يشهد على ما في قلبه )) ، وقراءة الجماعة أبلغ في الذم ، لأنه قوى على نفسه التزام الكلام الحسن ، ثم ظهر من باطنه خلافه ، وقرأ أبي وابن مسعود (( ويستشهد الله على ما في قلبه )) وهي حجة لقراءة الجماعة .
الثانية : قال علماؤنا : وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الإحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدوا من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ، لأن الله تعالى بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر قولاً جميلاً وهو ينوي قبيحاً .
فإن قيل : هذا يعارضه قوله عليه السلام : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ، الحديث ، وقوله : " فأقضي له على نحو ما أسمع " فالجواب أن هذا كان في صدر الإسلام ، حيث كان إسلامهم سلامتهم ، وأما وقد عم الفساد فلا ، قاله ابن العربي .
قلت : والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يبين خلافه ، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح البخاري : أيها الناس إن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نؤمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة .
الثالثة : قوله تعالى : " وهو ألد الخصام " الألد : الشديد الخصومة ، وهو رجل ألد ، وامرأة لداء ، وهم أهل لدة ، وقد لددت - بكسر الدال - تلد- بالفتح - لدداً ، أي صرت ألد ، ولدته - بفتح الدال - ألده - بضمها - إذا جادلته فغلبته ، والألد مشتق من اللديدين ، وهما صفحتا العتق ، أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب ، قال الشاعر :
وألد ذي حنق علي كأنما تغلي عداوة صدره في مرجل
وقال آخر :
إن تحت التراب عزماً وحزماً وخصيماً ألد ذا مغلاق
و(( الخصام )) في الآية مصدر خاصم ، قاله الخليل ، وقيل : جمع خصم قاله الزجاج ، ككلب وكلاب ، وصعب وصعاب ، وضخم وضخام ، والمعنى أشد المخاصمين خصومة ، أي هو ذو جدال ، إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنة باطل ، وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهرة وباطنة سواء ، وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " .


فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " باللغو " : مصدر لغا يلغو ويلغى ، ولغي يلغى لغا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه ، أبو بما يلغى إثمه ، وفي الحديث : " إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت " ، ولغة أبي هريرة " فقد لغيت " ، وقال الشاعر :
ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
وقال آخر :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم
الثانية : واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو ، فقال ابن عباس : هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة : لا والله ،وبلى والله ، دون قصد لليمين ، قال المروزي : لغو اليمين التي العلماء على أنها لغو هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريدها ، وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : أيمان اللغو ما كانت في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب ، وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزل قوله تعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، وقيل : اللغو ما يحلف به على الظن ، فيكون بخلافه ، قاله مالك ، حكاه ابن القاسم عنه ، وقال به جماعة من السلف قال أبو هريرة : إذا حلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه ، فإذا ليس هو ، فهو اللغو ،وليس فيه كفارة ، ونحوه عن ابن عباس ، وروي : " أن قوماً تراجعوا القول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرمون بحضرته ، فحلف أحدهم لقد أصبت وأخطأت يا فلان ، فإذا الأمر بخلاف ذلك ، فقال الرجل : حنث يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيمان الرماة لغو لا حنث فيها ولا كفارة " ، وفي الموطأ قال مالك : أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه ، فلا كفارة فيه ، والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحداً ، أو يعتذر لمخلوق أو يقتطع به مالاً ، فهذا أعظم من أن يكون فيه كفارة ، وإنما الكفارة على حلف ألا يفعل الشيء المباح له فعله ثم يفعله ، أو أن يفعله ثم لا يفعله ، مثل إن حلف ألا يبيع ثوبه بعشرة دراهم ثم يبيعه بمثل ذلك ، أو حلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه ، وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمين في غضب " أخرجه مسلم ، وقال سعيد بن جبير : هو تحريم الحلال ، فيقول : مالي علي حرام إن فعلت كذا ، والحلال علي حرام ، وقاله مكحول الدمشقي ، و مالك أيضاً ، إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه ، وقيل هو يمين المعصية ، قاله سعيد بن المسيب ، و أبو بكر بن عبد الرحمن وعروة وعبد الله ابنا الزبير ، كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه ، وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليتركها فإن تركها كفارتها " ، أخرجه ابن ماجة في سننه ،وسيأتي في (( المائدة )) أيضاً ، وقال زيد بن أسلم : لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه : أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغية إن فعل كذا ، مجاهد هما الرجلان يتبايعان فيقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله لا أشتريه بكذا ، النخعي : هو الرجل يحلف ألا يفعل الشيء ثم ينسى فيفعله ، وقال ابن عباس أيضاً و الضحاك : إن لغو اليمين هي المكروه ، أي إذا كفرت اليمين سقطت وصارت لغواً ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير وحكى ابن عبد البر قولاً : أن اللغو أيمان المكره ، قال ابن العربي : أما اليمين مع النسيان فلا شك في إلغائها ، لأنها جاءت على خلاف قصده ، فهي لغو محض .
قلت : ويمين المكره بمثابتها ، وسيأتي حكم من حلف مكرهاً في (( النحل )) إن شاء الله تعالى ، قال ابن العربي : وأما من قال إن يمين المعصية فباطل ، لأن الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة ، والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه معصية ، ويقال له : لا تفعل وكفر ، فإن أقدم على الفعل أثم في إقدامه وبر في قسمه ، وأما من قال : إنه دعاء الإنسان على نفسه إن يكن كذا فينزل ، فهو قول لغو ، في طريق الكفارة ولكنه منعقد في القصد ، مكروه ، وربما يؤاخذ به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدعون أحدكم على نفسه فربما صادف ساعة لا يسأل الله أحد فيها شيئاً إلا أعطاه إياه " ، وأما من قال إنه يمين الغضب فإنه يرده حلف النبي صلى الله عليه وسلم غاضباً ألا يحمل الاشعريين وحملهم وكفر عن يمينه وسيأتي في (( براءة )) قال ابن العربي وأما من قال : إنه اليمين المكفرة فلا متعلق له يحكى ، وضعفه ابن عطية أيضاً وقال : قد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو ، فحقيقتها لا إثم فيه ولا كفارة ، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في اليمين الغموس المصبورة ، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة ، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة ، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها ، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم .
الثالثة : قوله تعالى : " في أيمانكم " الأيمان جمع يمين ، واليمين الحلف ، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يميناً ، وقيل : يمين فعيل من اليمن ، وهو البركة سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق ، ويمين تذكر وتؤنث ، وتجمع أيمان وأيمن ، قال زهير :
فتجمع أيمن منا ومنكم
الرابعة : قوله تعالى : " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " مثل قوله : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " [ المائدة : 89 ] ، وهناك يأتي الكلام فيه مستوفى ، إن شاء الله تعالى : وقال زيد بن أسم : قوله تعالى : " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " هو الرجل يقول : هو مشرك إن فعل ، أي هذا اللغو ، إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويكسبه ، و " غفور حليم " صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة .

فيه أربع وعشرون مسألة :
الأولى : لما ذكر الله تعالى الندب إلى الأشهاد والكتب لمصحلة حفظ الأموال والأبدان ، عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب ، وجعل لها الرهن ، ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الأعذار ، لا سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو ، ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر . فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضر كأوقات اشغال الناس وبالليل ، وايضاً فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن .
"وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير فقال :إنما يريد محمد أن يهذب بمالي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء ولو ائتمنني لأديت اذهبوا إليه بدرعي" فمات ودرعه مرهونة صلى الله عليه وسلم ، على ما يأتي بيانه آنفاً .
الثانية : قال جمهور من العلماء : الرهن في السفر بتص التنزيل ، وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا صحيح . وقد بينا جوازه في الحضر من الآية بالمعنى ، إذ قد تترتب الأعذار في الحظر ، ولم يرو عن أحد منعة في الحضر سوى مجاهد والضحاك و داود ، متمسكين بالآية . ولا حجة فيها ، لأن هذا الكلام وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال . وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره . وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة :
"أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعاً له من حديد" . وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس قال :
"توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير لأهله" .
الثالثة : قوله تعالى : "ولم تجدوا كاتبا" قرأ الجمهور كاتبا بمعنى رجل يكتب . وقرأ ابن عباس وابي و مجاهد والضحاك و عكرمة وأبو العالية ولم تجدوا كتابا . قال أبو بكر الأنباري : فسره مجاهد فقال : معناه فإن لم تجدوا مداداً يعني في الأسفار . وروي عن ابن عباس كتابا . قال النحاس : هذه القراءة شاذة والعامة على خلافها ، وقلما يخرج شيء عن قراءة العامة إلا وفيه مطعن ، ونسق الكلام على كاتب ، قال الله عز وجل قبل هذا :"وليكتب بينكم كاتب بالعدل" وكتاب يقتضي جماعة . قال ابن عطية : كتاباً يحسن من حيث لكل نازلة كاتب ، فقيل للجماعة : ولم تجدوا كتاباً . وحكى المهدوي عن ابي العالية أنه قرأ كتبا وهذا جمع كتاب من حيث النوزال مختلفة . وأما قراءة أبي وابن عباس كتابا فقال النحاس و مكي : هو جمع كاتب كقائم وقيام . مكي : المعنى وإن عدمت الدواة والقلم والصحيفة . ونفي وجود الكاتب يكون بعدم أي آلة اتفق ، ونفي الكتاب أيضاً يقتضي نفي الكتاب ، فالقراءتان حسنتان إلا من جهة خط المصحف .
الرابعة : قوله تعالى : "فرهان مقبوضة" وقرأ أبو عمرو و أبن كثير فرهن بضم الراء والهاء ، وروي عنهما تخفيف الهاء . وقال الطبري : تأول قوم أن رهنا بضم الراء والهاء جمع رهان ، فهو جمع جمع ، وحكاه الزجاج عن الفراء . وقال المهدوي : فرهان ابتداء والخبر محذوف ، والمعنى فرهان مقبوضة يكفي من ذلك . قال النحاس : وقرأ عاصم بن ابي النجود فرهن بإسكان الهاء ، ويروى عن أهل مكة . والباب في هذا رهان كما يقال : بغل وبغال وكبش وكباش ، ورهن سبيله أن يكون جمع رهان ، مثل كتاب وكتب . وقيل : هو جمع رهن ، مثل سقف وسقف ، وحلق وحلق ، وفرش وفرش ، ونشر ونشر ،وشبهه . ورهن بإسكان الهاء سبيله أن تكون الضمة حذفت لثقلها . وقيل : هو جمع رهن ، مثل سهم حشر ، أي دقيق ، وسهام حشر . والأول أولى ، لأن الأول ليس بنعت وهذا نعت . وقال أبو علي الفارسي : وتكسير رهن على أقل العدد لم أعلمه جاء ،فلو جاء كان قياسه أفعلاً ككلب وأكلب ، وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير ، كما استغنى ببناء الكثير عن بناء القليل في قولهم : ثلاثة شسوع ، وقد استغنى ببناء القليل عن الكثير في رسن وأرسان ، فرهن يجمع على بناءين وهما فعل وفعال . الأخفش : فعل على فعل قبيح وهو قليل شاذ قال : وقد يكون رهن جمعاً للرهان ، كأنه يجمع رهن على رهان ، ثم يجمع رهان على رهن ، مثل فراش وفرش .
الخامسة : معنى الرهن : احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم ، هكذا حده العلماء ، وهو في كلام العرب بمعنى الدوام والاستمرار . وقال ابن سيده : ورهنه أي أدامه ، ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر : ‌‌
الخبز واللحم لهن راهن وقهوة راووقها ساكب
قال الجوهري : ورهن الشيء رهناً أي دام . وأرهنت لهم الطعام والشراب أدمته لهم ، وهو طعام راهن . والراهن : الثابت ، والراهن : المهزول من الإبل والناس ، قال :
‌إما تري جسمي خلا قد رهن هزلا وما مجد الرجال في السمن
قال ابن عطية : ويقال في معنى الرهن الذي هو الوثيقة من الرهن : أرهنت إرهاناً ، حكاه بعضهم . وقال أبو علي : أرهنت في المغالاة ، وأما في القرض والبيع فرهنت . وقال أبو زيد : أرهنت في السلعة إرهاناً : غاليت بها ، وهو في الغلاء خاصة . قال :
‌عيدية أرهنت فيها الدنانير .
يصف ناقة : والعيد بطن من مهرة وإبل مهرة موصوفة بالنجابة . وقال الزجاج : يقال في الرهن : رهنت وأرهنت ، وقاله ابن الإعرابي و الأخفش . قال عبد الله بن همام السلولي :
فلما خشيت أظافيرهم نجوت وأرهنتهم مالكا
قال ثعلب : الرواة كلهم على أرهنتهم ، على أنه يجوز رهنته وأرهنته ، إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم ، على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض ، وشبهه بقولهم : قمت وأصك وجهه ، وهو مذهب حسن ، لأن الواو واو الحال ، فجعل أصك حالاً للفعل الأول على معنى قمت صاكاً وجهه ، أي تركته مقيماً عندهم ، لأنه لا يقال : أرهنت الشيء ، وإنما يقال : رهنته . وتقول : رهنت لساني بكذا ، ولا يقال فيه : أرهنت . قال ابن الكسيت :ارهنت فيها بمعنى أسلفت . والمرتهن : الذي يأخذ الرهن . والشيء مرهون ورهين ، والأنثى رهينة . وراهنت فلاناً على كذا مراهنة . خارطته . وأرهنت به ولدي إرهاناً : أخطرتهم به خطراً . والرهينة واحدة الرهائن ، كله عن الجوهري . ابن عطية : ويقال بلا خلاف في البيع والقرض : رهنت رهناً ، ثم سمي بهذا المصدر الشيء المدفوع تقول : رهنت رهناً ، كما رهنت ثوباً .
السادسة : قال أبو علي : ولما كان الرهن بمعنى الثبوت ، والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه ، لأنه فارق ما جعل باختيار المرتهن له .
قلت : هذا هو المعتمد عندنا في أن الرهن متى رجع إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن ، وقاله ابو حنيفة ، غير أنه قال :إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل . وقال الشافعي : إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقاً لا يبطل حكم القبض المتقدم ، ودليلنا "فرهان مقبوضة" ، فإذا خرج عن يد القابض لم يصدق ذلك اللفظ عليه لغة ، فلا يصدق عليه حكماً ، وهذا واضح .
السابعة : إذا رهنه قولاً ولم يقبضه فعلاً لم يوجب ذلك حكما، لقوله تعالى : "فرهان مقبوضة" . قال الشافعي : لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض ، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم ، وهذا ظاهر جداً . وقالت المالكية : يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن ، لقوله تعالى : "أوفوا بالعقود" وهذا عقد ، وقوله "بالعهد" وهذا عهد . وقوله عليه السلام :
"المؤمنون عند شروطهم" وهذا شرط ، فالقبض عندنا شرط في كمال فائدته . وعندهما شرط في لزومه وصحته .
الثامنة : قوله تعالى : "مقبوضة" يقتضي بينونة المرتهن بالرهن . وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن ،وكذلك على قبض وكيله . واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه ، فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء . قبض العدل قبض . وقال أبن ابي ليلى و قتادة و الحكم و عطاء : ليس بقبض ، ولا يكون مقبوضاً إلا إذا كان عند المرتهن ، ورأوا ذلك تعبداً . وقول الجمهور أصح من جهة المعنى ، لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضاً لغة وحقيقة ، لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل ، وهذا ظاهر .
التاسعة : ولو وضع الرهن على يدي عدل فضاع لم يضمن المرتهن ولا الموضوع على يده ، لأن المرتهن لم يكن في يده شيء يضمنه . والموضوع على يده أمين والأمين غير ضامن .
الحادية عشرة : ورهن ما في الذمة جائز عند علمائنا ، لأنه مقبوض خلافاً لمن منع ذلك ، ومثاله رجلان تعاملا لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي عليه . قال ابن خويز منداد : وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه ، ولهذه العلة جوزنا رهن ما في الذمة ، لأن بيعه جائز ، ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهناً ، قياساً على سلعة موجودة . وقال من منع ذلك : لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن ، لأنه لا بد أن يستوفى الحق منه عند المحل ، ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا يتصور ذلك في الدين .
الثانية عشرة : روى البخاري عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة" . وأخرجه أبو داود وقال بدل يشرب في الموضعين : يحلب . قال الخطابي :هذا كلام مبهم ليس في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب ، هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن ؟
قلت : قد جاء ذلك مبيناً مفسراً في حديثين ، وبسببهما اختلف العلماء في ذلك فروى الدار قطني من حديث أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"إذاكانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته" . أخرجه عن أحمد بن علي بن العلاء حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا زكريا عن الشعبي عن ابي هريرة . وهو قول أحمد و إسحاق : أن المرتهن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة . وقال ابو ثور : إذا كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن . وإن كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه واستخدام العبد . وقاله الأوزاعي و الليث . الحديث الثاني خرجه الدار قطني أيضاً ، وفي إسناده مقال ويأتي بيانه ـ من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن ابي ذئب عن الزهري عن المقبري عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يغلق الرهن ولصاحبه غنمه وعليه غرمه" . وهو قول الشافعي و الشعبي و ابن سيرين ، وهو قول مالك وأصحابه . قال الشافعي : منفعة الرهن للراهن ، ونفقته عليه ، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الإحفاظ للوثيقة . قال الخطابي : وهو أولى الأقوال وأصحها ، بدليل قوله عليه السلام : "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه" . قال الخطابي :وقوله :"من صاحبه أي لصاحبه" . والعرب تضع من موضع اللام ، كقولهم :
‌أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
قلت : قد جاء صريحاً لصاحبه فلا حاجة للتأويل . وقال الطحاوي : كان ذلك وقت كون الربا مباحاً ، ولم ينه عن قرض جر منفعة ، ولا عن أخذ الشيء بالشيء وإن كانا غير متساويين ، ثم حرم الربا بعد ذلك . وقد أجمعت الأمة على أن الأمة المرهونة لا يجوز للراهن أن يطأها ، فكذلك لا يجوز له خدمتها . وقد قال الشعبي : لا ينتفع من الرهن بشيء . فهذا الشعبي روى الحديث وأفتى بخلافه ، ولايجوز عنده ذلك إلا وهو منسوخ . وقال ابن عبد البر وقد أجمعوا أن لبن الرهن وظهره للراهن . ولا يخلو من أن يكون احتلاب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه ، فإن كان بغير إذنه ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" ما يرده ويقضي بنسخه . وإن كان بإذنه ففي الأصول المجتمع عليها في تحريم المجهول والغرر وبيع ما ليس عندك وبيع ما لم يخلق ، ما يرده أيضاً ، فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا . والله أعلم .
وقال ابن خويز منداد : ولو شرط المرتهن الانتفاع بالرهن فلذلك حالتان : إن كان من قرض لم يجز ، وإن كان من بيع أو إجارة جاز ، لأنه يصير بائعاً للسلعة بالثمن المذكور ومنافع الرهن مدة معلومة فكأنه بيع وإجارة ، وأما في القرض فلأنه يصير قرضاً جر منفعة ، ولأن موضوع القرض أن يكون قربة ، فإذا دخله نفع صار زيادة في الجنس وذلك ربا .
الثالثة عشرة : لا يجوز غلق الرهن ، وهو أن يشترط المرتهن أنه له بحقه إن لم يأته به عند أجله . وكان هذا من فعل الجاهلية فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "لا يغلق الرهن" هكذا قيدناه برفع القاف على الخبر ، أي ليس يغلق الرهن . تقول : أغلقت الباب فهو مغلق . وغلق الرهن في يد مرتهنه إذا لم يفتك ، قال الشاعر :
‌أجارتنا من يجتمع يتفرق ومن يك رهنا للحوادث يغلق
وقال زهير :
وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
الرابعة عشرة : روى الدار قطني من حديث سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه" . زياد بن سعد أحد الحفاظ الثقات ، وهذا إسناد حسن . وأخرجه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يغلق الرهن" . قال أبو عمر : وهكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت ، إلا معن بن عيسى فإنه وصله ، ومعن ثقة ، إلا أني أخشى أن يكون الخطأ فيه من علي بن عبد الحميد الغضائري عن مجاهد بن موسى عن معن بن عيسى . وزاد فيه ابو عبد الله عمروس عن الأبهري بإسناده : "له غنمه وعليه غرمه" . وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها ، فرفعها ابن ابي ذئب ومعمر وغيرهما . ورواه ابن وهب وقال : قال يونس قال ابن شهاب : وكان سعيد بن المسيب يقول : الرهن ممن رهنه ، له غنمه وعليه غرمه ، فأخبر ابن شهاب أن هذا من قول سعيد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم . إلا أن معمراً ذكره عن ابن شهاب مرفوعاً ، ومعمر أثبت الناس في ابن شهاب . وتابعه على رفعه يحيى بن ابي انيسة ويحيى ليس بالقوي . وأصل هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل ، وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعللونها . وهو مع هذا حديث لا يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه . ورواه الدار قطني ايضاً عن إسماعيل بن عياش عن ابن ابي ذئب عن الزهري عن سعيد عن ابي هريرة مرفوعاً . قال أبو عمر : لم يسمعه إسماعيل من ابن ابي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير عن ابن ابي ذئب ، وعباد عندهم ضعيف لا يحتج به . وإسماعيل عندهم أيضاً غير مقبول الحديث إذا حدث عن غير أهل بلده ، فإذا حدث عن الشاميين فحديثه مستقيم ، وإذا حدث عن المدنيين وغيرهم ففي حديثه خطأ كثير واضطراب .
الخامسة عشرة : نماء الرهن داخل معه إن كان لا يتميز كالسمن ، أو كان نسلا كالولادة والنتاج ، وفي معناه فسيل النخل ، وما عدا ذلك من غلة وثمرة ولبن وصوف فلا يدخل فيه إلا أن يشترطه . والفرق بينهما أن الأولاد تبع في الزكاة للأمهات ، وليس كذلك الأصواف والألبان وثمر الأشجار ، لأنها ليست تبعاً للأمهات في الزكاة ولا هي في صورها ولا في معناها ولا تقوم معها ، فلها حكم نفسها لا حكم الأصل خلاف الولد والنتاج . والله أعلم بصواب ذلك .
السادسة عشرة : ورهن من أحاط الدين بماله جائز ما لم يفلس ، ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء ، قاله مالك وجماعة من الناس . وروي عن مالك خلاف هذا ـ وقاله عبد العزيز بن ابي سلمة ـ أن الغرماء يدخلون معه في ذلك وليس بشيء ، لأن من لم يحجر عليه فتصرفاته صحيحة في كل أحواله من بيع وشراء ، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي ، لم يختلف قول مالك في هذا الباب ، فكذلك الرهن . والله أعلم .
السابعة عشرة : قوله تعالى : "فإن أمن بعضكم بعضا" الآية . شرط ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء وترك المطل . يعني إن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق وثقة فليؤد له ما عليه ائتمن . وقوله "فليؤد" من الأداء مهموز ، وهو جواب الشرط ويجوز تخفيف همزة فتقلب الهمزة واواً ولا تقلب ألفاً ولا تجعل بين بين ، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً . وهو أمر معناه الوجوب ، بقرينة الإجماع على وجوب أداء الديون ، وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه ، وبقرينة الأحاديث الصحاح في تحريم مال الغير .
الثامنة عشرة : قوله تعالى : "أمانته" الأمانة مصدر سمى به الشيء الذي في الذمة ، وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث لها إليها نسبة ، كما قال تعالى : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : "وليتق الله ربه" أي في ألا يكتم من الحق شيئاً . وقوله : "ولا تكتموا الشهادة" تفسير لقوله : ولا يضارر بكسر العين . نهى الشاهد عن ان يضر بكتمان الشهادة ، وهو نهي على الوجوب بعدة قرائن منها الوعيد . وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق . وقال ابن عباس : على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ، ويخبر حيثما استخبر ، قال : ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي . وقرأ أبو عبد الرحمن ولا يكتموا بالياء جعله نهياً للغائب .
الموفية عشرين : إذا كان على الحق شهود تعين عليهم أداؤها على الكفاية ، فإن أداها اثنان وأجتزأ الحاكم بهما سقط الفرض عن الباقين ، وإن لم يجتزأ بها تعين المشيء إليه حتى يقع الإثبات . وهذا يعلم بدعاء صاحبها ، فإذا قال له : أحيي حقي بأداء ما عندك لي من الشهادة تعين ذلك عليه .
الحادية والعشرون : قوله تعالى : "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله ، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله كما قال عليه السلام ، فعبر بالبعض عن الجملة ، وقد تقدم في أول السورة وقال الكيا : لما عزم على ألا يؤديها وترك أداءها باللسان رجع المأثم إلى الوجهين جميعا . فقوله : "آثم قلبه" مجاز ، وهو آكد من الحقيقة في الدلالة على الوعيد ، وهو من بديع البيان ولطيف الإعراب عن المعاني . يقال : أثم القلب سبب مسخه ، والله تعالى إذا مسخ قلباً جعله منافقاً وطبع عليه ، نعوذ بالله منه وقد تقدم في أول السورة . و قلبه رفع بـ أثم و أثم خبر إن ، وإن شئت رفعت آثماً بالابتداء ، و قلبه فاعل يسد مسد الخبر والجملة خبر إن . وإن شئت رفعت آثماً على أنه خبر الابتداء تنوي به التأخير . وإن شئت كان قلبه بدلاً من أثم بدل البعض من الكل . وإن شئت كان بدلاً من المضمر الذي في أثم . وتعرضت هنا ثلاث مسائل تتمة أربع وعشرين .
الأولى : أعلم أن الذي أمر الله تعالى به من الشهادة والكتابة لمراعاة صلاح ذات البين ونفي التنازع المؤدي إلى فساد ذات البين ، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجاوز ما حد له الشرع ، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق ، ولأجله حرم الشرع البياعات المجهولة التي اعتيادها يؤدي إلى الاختلاف وفساد ذات البين وإيقاع التضاغن والتباين . فمن ذلك ما حرمه الله من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله تعالى : "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر" الآية . فمن تأدب بأدب الله في أوامره وزواجره حاز صلاح الدنيا والدين ، قال الله تعالى : "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم" الآية .
الثانية : روى البخاري عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" . وروى النسائي عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :
أنها استدانت ، فقيل : يا أم المؤمنين ، تستدينين وليس عندك وفاء ؟ قالت : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أخذ ديناً وهو يريد أن يؤديه أعانه الله عليه" . وروى الطحاوي و أبو جعفر الطبري والحارث بن ابي أسامة في مسنده عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"لا تخيفوا الأنفس بعد أمنها ، قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك ؟ قال : الدين" . وروى البخاري عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء ذكره :
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال" . قال العلماء : ضلع الدين هو الذي لا يجد دائنه من حيث يؤديه . وهو مأخوذ من قول العرب : حمل مضلع أي ثقيل ، ودابة مضلع لا تقوى على الحمل ، قال هصاحب العين . وقال صلى الله عليه وسلم :
"الدين شين الدين" . وروى عنه أنه قال :
"الدين هم بالليل ومذلة بالنهار" . قال علماؤنا : وإنما كان شيناً ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه ، والتذلل للغريم عند لقائه ، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه . وربما يعد من نفسه القضاء فيخلف ، أو يحدث الغريم بسببه فيكذب ، أو يحلف له فيحنث ، إلى غير ذلك ولهذا :
"كان عليه السلام يتعوذ من المأثم والمغرم ، وهو الدين . فقل له : يا رسول الله ، ما أكثر ما تتعوذ من المغرم ؟ قفال :إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف" . وأيضاً فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به ، كما قال عليه السلام :
"نسمة المؤمن مرتهنة في قبره بدينه حتى يقضى عنه" . وكل هذه الأسباب مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله . والله أعلم .
الثالثة : لما أمر الله تعالى بالكتب والإشهاد وأخذ الرهان كان ذلك نصاً قاطعاً على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها ، ورداً على الجهلة المتصوفة ورعاعها الذين لا يرون ذلك ، فيخرجون عن جميع أموالهم ولا يتركون كفاية لأنفسهم وعيالهم ، ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يترعض لمنن الإخوان أو لصدقاتهم ، أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم ، وهذا الفعل مذموم منهي عنه . قال أبو الفرج الجوزي : ولست أعجب من المتزهدين الذين فعلوا هذا مع قلة علمهم ،إنما أتعجب من أقوام لهم علم وعقل كيف حثوا على هذا ، وأمروا به مع مضادته للشرع والعقل . فذكر المحاسبي في هذا كلاماً كثيراً ، وشيده أبو حامد الطوسي ونصره . والحارث عندي أعذر من أبي حامد ، لأن أبا حامد كان أفقه ، غير أن دخوله في التصوف أوجب عليه نصرة ما دخل فيه . قال المحاسبي في كلام طويل له : ولقد بلغني أنه :
لما توفي عبد الرحمن بن عوف قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نخاف على عبد الرحمن فيما ترك . فقال كعب سبحان الله ‍، وما تخافون على عبد الرحمن ؟ كسب طيباً وأنفق طيباً وترك طيباً . فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضباً يريد كعباً ، فمر بلحي بعير فأخذه بيده ، ثم انطلق يطلب كعباً ، فقيل لكعب : إن أبا ذر يطلبك . فخرج هارباً حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر . فأقبل أبو ذر يقص الأثر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان ، فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هارباً من أبي ذر ، فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية ، تزعم ألا بأس بما تركه عبد الرحمن ‍، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : "الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا" . قال المحاسبي : فهذا عبد الرحمن مع فضله يوقف في عرصة يوم القيامة بسبب ما كسبه من حلال ، للتعفف وصنائع المعروف فيمنع السعي إلى الجنة مع الفقراء وصار يحبو في آثارهم حبوا ، إلى غير ذلك من كلامه . ذكره أبو حامد وشيده وقواه :
بحديث ثعلبة ، وأنه أعطي المال فمنع الزكاة . قال أبو حامد : فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم لم يشك في أن فقد المال أفضل من وجوده ، وإن صرف إلى الخيرات ، إذ أقل ما فيه اشتغال الهمة بإصلاحه عن ذكر الله . فينبغي للمريد أن يخرج عن ماله حتى لا يبقى له إلا قدر ضرورته ، فما بقي له درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عن الله تعالى . قال الجوزي : وهذا كله خلاف الشرع والعقل ، وسوء فهم المراد بالمال ، وقد شرفه الله وعظم قدره وأمر بحفظه ، إذ جعله أقواماً للآدمي وما جعل قواماً للآدمي الشريف فهو شريف ، فقال تعالى : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما" . ونهى جل وعز أن يسلم المال إلى غير رشيد فقال :"فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" .
"ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، قال لسعد :
إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" . وقال :
"ما نفعني مال كمال ابي بكر" . وقال لعمرو بن العاص :
"نعم المال الصالح للرجل الصالح" . ودعا لأنس ، وكان في آخر دعائه :
"اللهم أكثر ماله وولده وبار له فيه" . وقال كعب :
"يا رسول الله ، إن من توتبي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" . قال الجوزي : هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح ، وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة ، وأن حبسه ينافي التوكل ، ولا ينكر أنه يخاف من فتنته ، وأن خلقاً كثيراً اجتنبوه لخوف ذلك ، وأن جمعه من وجهه ليعز ، وأن سلامة القلب من الافتنان به تقل ، واشتغال القلب مع وجوده بذكر الآخرة يندر ، فلهذا خيف فتنته . فأما كسب المال فإن من اقتصر على كسب البلغة من حلها فذلك أمر لا بد منه ، وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلال نظر في مقصوده ، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود ، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته ، وادخر لحوادث زمانه وزمانهم ، وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أثيب على قصده ، وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات . وقد كانت نيات خلق كثير من الصحابة في جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم بجمعه ، فحرصوا عليه وسألوا زيادته .
"ولما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير حضر فرسه أجرى الفرس حتى قام ثم رمى سوطه . فقال : أعطوه حيث بلغ سوطه" . وكان سعد بن عبادة يقول في دعائه : اللهم وسع علي . وقال إخوى يوسف : "ونزداد كيل بعير" . وقال شعيب لموسى : "فإن أتممت عشرا فمن عندك" . وإن أيوب لما عوفي نثر عليه رجل من جراد من ذهب ، فأخذ يحثي في ثوبه ويستكثر منه ، فقيل له : أما شبعت ؟ فقال : يا رب فقير يشبع من فضلك ؟ وهذا أمر مركوز في الطباع . وأما كلام المحاسبي فخطأ يدل على الجهل بالعلم ، وما ذكره من حديث كعب وابي فمحال ، من وضع الجهال وخفيت عدم صحته عنه للحوقه بالقوم . وقد روي بعض هذا وإن كان طريقه لا يثبت ، لأن في سنده ابن لهيعة وهو مطعون فيه . قال يحيى : لا يحتج بحديثه . والصحيح في التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمسن وعشرين ، وعبد الرحمن بن عوف توفي سنة اثنتين وثلاثين ، فقد عاش بعد ابي ذر سبع سنين . ثم لفظ ما ذكروه من حديثهم يدل على أن حديثهم موضوع ، ثم كيف تقول الصحابة : إنا نخاف على عبد الرحمن ، أو ليس الإجماع منعقداً على إباحة جمع المال من حله ، فما وجه الخوف مع الإباحة ؟ أو يأذن الشرع في شيء ثم يعاقب عليه ؟ هذا قلة فهو وفقه . ثم أينكر أبو ذر على عبد الرحمن ، وعبد الرحمن خير من ابي ذر بما لا يتقارب ؟ ثم تعلقه بعبد الرحمن وحده دليل على أنه لم يسبر سير الصحابة ، فإنه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير . والبهار الحمل . وكان مال الزبير خمسين ألفاً ومائتي ألف .وخلف ابن مسعود تسعين ألفاً . وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم على ذاحد . وأما قوله :
"إن عبد الرحمن يحبو حبوا يوم القيامة" فهذا دليل على أنه ما عرف الحديث ، وأعوذ بالله أن يحبو عبد الرحمن في القيامة ، أفترى من سبق وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل بدر والشورى يحبو ؟ ثم الحديث يرويه عمارة بن زاذان ، وقال البخاري : ربما اضطرب حديثه . وقال أحمد : يروي عن أنس أحاديث مناكير ، وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به ، وقال الدار قطني : ضعيف . وقوله "ترك المال الحلال أفضل من جمعه" ليس كذلك ،ومتى صح القصد فجمعه أفضل بلا خلاف عند العلماء . وكان سعيد بن المسيب يقول : لا خير فيمن لا يطلب المال ، يقضي به دينه ويصون به عرضه ، فإن مات تركه ميراثاً لمن بعده . وخلف ابن المسيب أربعمائة دينار ، وخلف سفيان الثوري مائتين وكان يقول : المال في هذا الزمان سلاح . وما زال السلف يمدحون المال ويجمعونه للنوائب وإعانة الفقراء ، وإنما تحاماه قوم منهم إيثاراً للتشاغل بالعبادات ، وجمع الهم فقنعوا باليسير . فلو قال هذا القائل : إن التقليل منه أولى قرب الأمر ولكنه زاحم به مرتبة الإثم .
قلت : ومما يدل على حفظ الأموال ومراعاتها إباحة القتال دونها وعليها ، قال صلى الله عليه وسلم :
"من قتل دون ماله فهو شهيد" . وسيأتي بيانه في المائدة إن شاء الله تعالى .

Abdullah

المساهمات : 64
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير آيات البقرة في القلب (204 - 225 - 283) Empty تعليق على تفسير آيات البقرة(204 - 225 - 283)

مُساهمة  Admin الإثنين أغسطس 15, 2011 4:26 am

عرفنا في هذه الآيات الكريمات كثير من الأحكام المتعلقة بالشهاد بالله والأيمان والرهان وكل هذه المسائل التى ذكرت في الأيات تعرض لنا يمب سلقلوفي حياتنا اليومية وأما عن ذكر تفسير ذكر القلب في هذه الآيات للعظه والتفكر بعقول وقلوب سليمة من العلل النفسية والبدنية ونشكر للإبن عبدالله في تفسيره لهذه الآيات فقد أجاد ونتمنى له التوفيق والنجاح في الدنيا ولآخرة
Admin
Admin

المساهمات : 556
تاريخ التسجيل : 30/03/2011
العمر : 58
الموقع : kmstayeb@gmail.com

https://hmnkmsat.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى